ثقافة

رسائل الموتى.. فيلم حائر بين الرحمة والإنصاف

حيث لا يستطيع العالم بكافة مؤسساته المتنوعة أن يستمر من دون محترفين، لأنهم هم أصحاب التخصص الدقيق والخبرات المتراكمة والعمل المنتظم والذي يضمن استمرار الإنتاج وماكينة العمل، كما أن هذا الاحتراف الضامن لاستمرار العالم يفتقر في كثير من الأحيان إلى تلك اللمحة الإبداعية بذلك العمق الذي يمنح الأشياء مذاقها الخاص.

وبالرغم من التاريخ الطويل للكاتب الأميركي الأشهر ستيفن كينغ وجوائزه وانجازاته المتعددة وعدد النسخ التي تم بيعها من أعماله الروائية التي بلغت ثلاثمئة وخمسون مليون نسخة، فإن احترافه هذه الكتابة هي ترك الأثر الذي يجعل من إنتاجه في أحيان كثيرة بضاعة وهي رخيصة قد صنعت عبر خط إنتاج آلي كما هي تفتقر إلى الجودة والأصالة المطلوبتين.

حيث تعد القصة القصيرة هاتف السيد هاريغان هي واحدة من ابرز الأعمال التي المتعمقة، كما جاء الفيلم الذي حمل الاسم نفسه الذي استلهم أحداثها ليزيد بعدها من صعوبة التعامل الجاد معها، كما قام المخرج والسيناريست جون هانكوك بإضافة حشو غير منطقي من بعض الأحداث والتي تعد هي أقرب للكوميديا منها للخوف الذي اشتهر به ستيفن كينغ.

كما صادف الصديقان ظهور جوال آيفون في الأسواق، فأنه يملك الصغير واحد ويهدي صديقه المسن واحد آخر، كما يكشف الصبي لصديقه الكبير عن مزايا عديدة في هذا الجهاز، لكي يصبح الآيفون إضافة لعلاقة الصداقة ووسيلة للتواصل المستمر، وعندما يموت الرجل المسن فأنن يجد الصبي نفسه قادر على التواصل مع صديقه وهو في القبر عن طريق الآيفون الذي دفن معه.

وعلى الرغم من شهرة كينغ بوصفه روائياً المتخصص في قصص الرعب ومن ثم الأفلام التي اقتبست من أعماله فأن إيقاع هذا الفيلم هاتف السيد هاريغان قد جاء هادئ ولم يستخدم تقنية القطع السريع للقطات وتتابعها، لكن في المقابل لم يتجنب بشكل تام إشارات تنذر بالخطر خاصة في مشهد محاولة كريغ فتح إحدى الخزانات في منزل هاريغان الفخم وقبل أن يضبطه ويمنعه من ذلك كي لا يطلع على أسرار مرعبة فهي صور وذكريات طفولة هاريغان.

وأن هذا المشهد المثير للقلق قد جاء حين سارع كريغ إلى النهر ليلقي الهاتف الجوال في مياهه، حيث تعامل المخرج مع الصبي على أنه يريد الانتحار بالقفز في الماء خاصة حين استعرض بالكاميرا في ارتفاع الحاجز الصخري بين الماء واليابسة.

كما تم استخدم المخرج جون هانكوك كثيرا من الرنقة الحمراء أو الأدلة الزائفة بعلامات إرشادية خادعة خلال القيام برحلة الفيلم إلى درجة قد جعلت الأمر يبدو مجرد مزاح، وأن الأدلة الزائفة هي تقنية أدبية استخدمت في الروايات البوليسية لإضفاء نوع من الإثارة والتشويق على العمل، لكن تم استخدامها بكثافة لأن القصة القصيرة لم تقدم أحداث كثيرة تصلح لصناعة دراما لفيلم كامل.

ثم بعد وفاة الملياردير هاريغان، حيث ذهب الصبي إلى القصر لكي يسأل المساعدة الشخصية للرجل وقد كان السيد هاريغان رجلا طيب أليس كذلك؟، فتتجاهل السيدة الإجابة عن هذا السؤال بشكل مباشر وتجيب بوضوح قد كان السيد هاريغان رجل منصف و يحب ألا تشهد الجانب السيئ منه.

حيث تكشف تلك الإجابة الدقيقة عن السؤال الأهم، لماذا اختار ملياردير قرية صغيرة منعزلة ليس فيها أي شيء مميز ليقضي فيها آخر أيامه؟ كما لم يكن هذا الرجل يحب الناس وقد كانوا يبادلونه ذات المشاعر نفسها في البلدة وايضاً خارجها، حيث اختارها لأنها جميلة لكنها ليست رائعة بالقدر الذي يجعل الزوار يأتون إليها، لذلك قد عاش منعزل من دون أن يلجأ إلى شخص أو يلجأ إليه أي شخص آخر.

كما أن ديكور القصر الذي بني على هذا الطراز القوطي قد عبر بشكل بصري عن هذه الحالة، وعلى الرغم من الفخامة الواضحة حيث لم يكن هناك مقعد واحد صالح للجلوس عليه بشكل مريح سوى المقعد الملكي الخاص بصاحب هذا البيت الذي قد مات وهو جالساً عليه، وأن تلك الوحدة هي التي اختارها الرجل لنفسه تم خرقها بإرادته، وفي حين اختار الطفل كريغ ليقرأ له مقابل خمسة دولارات في الساعة.

كما كان العجوز هو ضعيف النظر ليحتاج لمن يقرأ له الحقيقة، أيضاً لقد كان يقرأ الصحف لساعات طويلة،  فقد ظل شهراً يقرأ المقالات الصحفية على شاشة الآيفون وهذا يعني أنه لم يكن ضعيف النظر لكنه كان بحاجة إلى صديق، وهذا ما تخبر به الدراما على الشاشة هو مجرد تكذيب لذلك الحوار المتحاكى على ألسنة أبطال الفيلم كما هو أيضاً المبرر الذي جعله يمنح الصبي ما يقرب من مليون دولار في وصيته.

السابق
محمد علي اليوسفي الأديب التونسي
التالي
نابولي يكتسح كريمونيزي ويعتلي الصدارة وروما يتجاوز ليتشي”الدوري الإيطالي”

اترك تعليقاً